الرواية إعادة سرد لحكاية (إيليا النبي الصغير) الذي جاءه الأمرالإلهي وهو في الثالثة والعشرين فخرج من بلدته ليأمر الملك ( آخاب ) ملك بني إسرائيل بعبادة الله فالملك كان يأمر قومه بعبادة ( بعل ) إله الفينيقيين بعدما تزوج ملكتهم ( إيزابيل )..
وفعل (إيليا) كما أمره ربه وبالطبع صار مضطهدا وأمرالملك بقتله هو وجميع الأنبياء، فهرب إلى مدينة ( صرفة ) التي يدعى سكانها بالأكبار..وفي الطريق قبل الوصول إلى المدينة كانت الغربان تتولي رعاية ( إيليا ) وتأتي له بالخبزواللحم وهو يسير بمحاذاة نهر ( كريث ) الموازي لنهر الأردن، ولما وصل إلى المدينة وجد أرملة وكلَّها الله لرعايته فآوته في بيتها وكانت له معجزة مع ابنها الصغير حيث أحياه بعد موته..
ونمى الحب في قلب النبي الشاب وكذلك في قلب الأرملة التي كانت تكبره بعشر سنوات ،لكنه لم يكد يجد المأوى والملاذ حتى قامت الحرب وهدمت المدينة وقتلت الأرملة ووجد إيليا نفسه وحيدا مرة أخرى واهتز ايمانه بشدة وبدأ يشك في حكمة الإله ورحمته-رغم انه نبي- ثم أُمر بعدم مغادرة القرية وإعادتها سيرتها الأولى وبناءها من جديد!
"قد يكون أصدقائي وأعدائي توصلوا لفهم العالم بطريقة أفضل ، ويسافرون إلى بلاد بعيدة ويعشقون النساء بغير شعور بالذنب ولكن لم يوجد بينهم من سمع ملائكة الرب أو يزج بنفسه في صراع مع الله"
وفي خضم الأحداث نري تأملات إيليا في العالم ورؤيته له وتساؤلاته وحيرته الدائمة وتردده بين الشك واليقين وتقلب وجهه في السماء وحديثه مع ملاكه الحارس وملاك الرب،وحنقه عندما انقطعت عنه معجزاته وهو في أمس الحاجة إليها ، والاختيار الصعب بين آخر معجزة هل يهدي بها أهل القرية أم ينتظر حتى يعود إلى بني اسرائيل مرة أخرى ؟وكيف أنه اعتمد على ارادته الانسانية بدون معجزات وبث الحياة في قلوب أهل القرية الذين تصدعت نفوسهم بعد خراب المدينة..
الشخصيات في الرواية ما هي إلا اسقاط على الواقع الحالي بداية من( ايليا ) بأسئلته التي لا تنتهي وحيرته ومعاناته وشكه ويقينه بالله وفي حكمته من خلق العالم وحياة الانسان على وجه الأرض ( وهي حيرة الانسان الدائمة بشكل أو بآخر )، وشخصية ( الكاهن ) الذي أشعل نار الحرب ليقضي الآشوريون على البلدة لينتهي اختراع الكتابة البابلية لأنها ان انتشرت سوف تنتهي مهمة الكهنة إلى الأبد !
من منا لم يعانِ من هذا القلق ومن حيرة إيليا التي لازمته طوال الرواية حتى أتاه اليقين ، من منا لم يتعرض لمواقف شتى أحزنته وجعلته يفكر في الأمر وهو يقول : لماذا أنا ؟! ، ربما كان السؤال أحيانا من باب الاعتراض، ولكنه دائما محاولة للفهم !
" قال الملاك:ربما يصعب على المرء ان يحدد طريقه لكن من لا اختيار له ميت بالنسبة لله رغم انه يتنفس ويجوب الشوارع ،ولن يهلك أحد فكل شيء تحت الشمس له سبب ودافع .."
منا من فقد المأوى والملاذ بعد أن وجدهما ،من تعرض لمواقف آذته دون أن يكون له دخل بها لا من قريب ولا من بعيد فيظن أنها عقاب على شيء لم يفعله فيشك في حكمة الله ويهتز يقينه ، من ضاقت عليه الأرض وهو ينتظر معجزة تخلصه مما هو فيه وهو لم يدرك بعد أنه هو من سيخلص نفسه بنفسه ويصنع لنفسه طريقًا هو وحده الجدير بالعبور منه !
ورأى إيليا أنه كان بمقدوره أن يمنع الحرب ولكنه لم يستطع لتآمر كبير الكهنة وقائد الجيوش على الحاكم ، وقامت الحرب وقتلت الأرملة وحمل نفسه الذنب ليكتشف بعد ذلك -عندما تحدث مع ملاك الرب- أن ما حدث كان مقدرا له أن يحدث ليعيد النظر إلى حقائق الأشياء مرة أخرى ويعيد بناء ما خربته الحرب سواء ان كانت المدينة أو نفوس سكانها..
"قال ( إيليا ) لا حيلة لي هنا بعد الآن ، فمتى سأعود إلى اسرائيل؟
قال الملاك : عندما تتعلم كيف تعيد البناء ..لكن عليك أن تتذكر ما علمه الرب لموسى قبل المعركة ،استغل كل لحظة حتى لا تندم بعد ذلك وتنتحب لضياع الشباب ، فلكل فترة في حياة الانسان هواجسها التي يبثها الله داخله"
وفي الرواية لم يجد إيليا سوى أناس على مشارف الرحيل فأعادهم الى الحياة مرة أخرى وشاركوه في اعادة اعمار المدينة ، واختار كل منهم اسما مقدسا جديدا يعبر عنه في المرحلة القادمة والذي يحتوي بداخله كل ما حلم بالقتال من أجله واختار ايليا لنفسه اسم ( الحرية )، وقال رجل عجوز اسمي ( الحكمة )،وقال الصبي الصغير -ابن الأرملة الذي أحياه ايليا من الموت باذن ربه- اسمي ( حروف الهجاء!) !!
ومما يجب ذكره أن قصة إيليا النبي حقيقية بكل وقائعها وتفاصيلها حدثت في القرن التاسع قبل الميلاد والمدن التي ذكرت موجودة حتى الآن في فلسطين ولبنان..
واتكأ( كويلو ) بشكل متميز للغاية على النص التوراتي ، فقد جاء ذكر (إيليا النبي) في ( سفر الملوك الأول):
وَقَالَ إِيلِيَّا التِّشْبِيُّ مِنْ مُسْتَوْطِنِي جِلْعَادَ لأَخْآبَ: «حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ الَّذِي وَقَفْتُ أَمَامَهُ، إِنَّهُ لاَ يَكُونُ طَلٌّ وَلاَ مَطَرٌ فِي هذِهِ السِّنِينَ إِلاَّ عِنْدَ قَوْلِي».الإصحاح السابع عشر
ويسمى في النص العبري للعهد القديم ( إيلياهو) ومعناه الرب هو إلهي، كما يصفه الكتاب المقدس بالتشبي وذلك نسبة إلى ( تشبة ) في بلاد ( جلعاد ) الواقعة شرق ( الأردن ) واسمه في اليونانية ( إيلياس)
ويعتقد أنه هو نفسه إلياس المذكور في القرآن..
(وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ) (الصافات123.124.125 )
سلسلة من الأزمات والمحن التي مر بها إيليا وظن أن الرب يسيء معاملته وتيقن في النهاية أنها لم تكن إلا اختبارات يختبر الله بها ايمانه وفي النهاية وصل إلى سكينة اليقين بعد أن غزا الشك قلبه،ونحن أيضا نحتاج قدرا من الحكمة حتى نصل الى اليقين في رحلة يصاولها الشك !
الرواية علامة فارقة في تاريخ الأدب العالمي فهي تتكلم عن كل إنسان على وجه الأرض وتجعله يواجه نفسه بشجاعة كي يستطيع مواجهة العالم بشجاعة أيضًا..
فكل منا ( إيليَّا ) بشكل ما !
المقاطع بالأحمر اقتباسات من الرواية




ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق